آراء ومقالات المزيد

حدث | الأنانية والعطاء - بقلم : حنان بدر الرومي

23/09/2019 12:10 ص
حدث | الأنانية والعطاء - بقلم : حنان بدر الرومي
**

الحياة الإنسانية تقوم على مبادئ أساسية لتحقيق مجتمع قوي متماسك، منها مبدأ الأخذ والعطاء، وللأخلاق السوية أصل عظيم في ديننا الإسلامي، ومن الأخلاق الإسلامية التعاون والمساعدة والبذل، وللدقة نوضح أن الإسلام لم يدعُنا إلى التجرد من حب الذات كما يعتقد الكثيرون وكما يفسره بعض الفقهاء بل يقرر الإسلام أنها حقيقة فطرية فقال الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» والمعنى أن النفس الإنسانية تحب الخير لنفسها ولكن هيهات أن تشبع ودائما تريد المزيد وتهذيب ذلك يكون بالعطاء فترقى النفس وتتشكل الفواصل أمام جموح الذات، والغريب أنه ما إن يعطي الشخص السعادة للآخرين حتى يجد من يمنحه السعادة، فالخير إذا توزع بين الناس ستكون الراحة القلبية والنفسية أعمق بكثير.

تحدث كثير من المدربين وأسهبوا عن حب الذات وضرورته للاستقرار النفسي، وللأسف أنهم زرعوا مبدأ مطلقا دون حدود ودون فواصل، نشروا الأنانية والنرجسية وأصبح الكثيرون يرون أنفسهم بزهو وأنهم يستحقون الأفضل وكل شيء جميل ونقلوا أنفسهم للعيش داخل فقاعات كبيرة هم وحدهم بداخلها وبنظرهم الخاص فإن لهم الأحقية في كل شيء سواء أكانوا يستحقونه أم لا، لم يعودوا يرون أخطاءهم ونسوا أننا كلنا خطاؤون وفقدوا الفرامل التي قد تكبح الذات المبالغ بها فانعكس ذلك على أنفسهم وعلى المجتمع.

مع التغيير في النظرة للذات والحياة، وجد بعض الأزواج أن الزواج قيد يحد من سعادتهم وانطلاقهم، والأبناء وجدوا في السعي لإرضاء الوالدين وقتا وجهدا مهدورا يمكنهم استغلاله لإسعاد ذواتهم، كما اعتبر الوالدان أن نصائح أهاليهم تدخل سافر في تربيتهم لأبنائهم وفي إدارتهم لحياتهم، واعتبر بعض الموظفين أن لهم الحق في تولي المراكز القيادية دون تسلسل وظيفي ولا أي تطوير لمهاراتهم، وانتشرت نظرية تدعم الغرور بأنك مركز العالم ونقطة البداية والنهاية وتبعا لهذه الأفكار تحكمت المصالح في جميع العلاقات فأنت صديق ومقرب ما دمت تحقق لي مصلحتي، حتى الزواج لم يعد في تفكير الكثيرين مؤسسة لبناء أسرة وحياة مستقرة بل تحكمت بها المصالح وفي حال عدم تحققها تكون نهايته كمن ألقى ثوبا قديما باليا وراءه وببرود تام.

أضحى الأشخاص المميزون ماديا أو علميا أو اجتماعيا محارَبين من الأهل والأصدقاء ومن زملاء العمل وخطأهم الوحيد أنهم مميزون فقط أمام الأنا المتضخمة لدى الآخرين وما صاحبها من الحقد، وطفح على سطح الحياة وبكثرة الأصدقاء الأعداء والأهل الأعداء والمعارف الأعداء وأصبحت العلاقات متوترة فالمميز يخفي تميزه وإنتاجه وعلاقاته خوفا من استفزاز الآخرين له، أما فئة الأعداء الذين يرون أنفسهم الأفضل فيسعون الى تشويه صورة المميز وتنفير الناس منه وهكذا توترت الحياة الاجتماعية وأصبحت الوحدة والانعزالية ومصاحبة الأجهزة الإلكترونية سلوكا دارجا وتزايدت معه الأمراض النفسية والجسدية.

وأتساءل أين حب الآخرين الذي دعانا إليه الرسول الكريم وهل العالم يحوم حول كلمة الأنا فقط، نحتاج بالفعل إلى أن نتعلم مفاهيم حب الحياة وحب الآخرين، وأن نستوعب المعاني لكلمة العطاء التي لا تقتصر على الماديات كما نتصور، العطاء قد يكون كلمة ترحيب أو تشجيع أو مساعدة لمحتاج وقد تكون لمسة حانية لمن ضاقت به الدنيا أو كلمة مريحة مطمئنة لمن ضاق صدره وضاعت حيلته وقد تكون إرشادا لشخص ضيع بوصلة حياته، ما أجمل أن نسترجع ذواتنا الطبيعية قبل أن تجرفنا الحياة وزحمتها وأن نوازن بين حب الذات والعطاء، مما سيجعلنا أشخاصا سويين متوازنين نتلمس الإحساس العميق بالراحة والرقي والسلام.

Hanan.AlRoumi@gmail.com

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد