آراء ومقالات المزيد

حدث | البضائع الراكدة! - بقلم : فاطمة المزيعل

19/10/2018 12:20 ص
حدث | البضائع الراكدة! - بقلم : فاطمة المزيعل
**

من أصعب المراحل التي قد يمر بها الإنسان، هي تلك التي من خلالها ينسلخ من جلده انسلاخا كليا، ودون أدنى تدريج، ذلك طبعا عندما ضحك له الحظ، وفي ذات الوقت صدمة، حين رأى نفسه فجأة بين المال الوفير والرزق الكثير.

والاصعب من ذلك، هو حين ينفخ نفسه أكبر من موقعه، فيسبح عكس التيار، منهمكا في تقليد اصحاب الثراء والمال، الذين ولدوا وفي افواههم ملاعق من ذهب، واعينهم مليئة بالشبع، مستميتا على ان يكون مثلهم، ليرينا العجب العجاب بشراهة شفاحته، واهتزاز ثقته، وزيف تصرفاته العاكسة لقديم شخصيته.

فتجده «يعوم ضربة يمين، ضربة شمال، دوامة جاية بألف حال»، كما قال الكاتب والإعلامي المصري سيد صادق، في كتابه «ألبس قديم». وللأسف في النهاية، لا هو الذي استطاع ان يتقن تقليد سبل معيشتهم وطريقتهم، ولا هو الذي عاد كما كان يعيش، فظهر بصورة مضحكة ومخزية جدا لنا.

يذكرنا بالغراب الذي حاول مرات عدة، ان يغير مشيته، ليقلد مشية الحمامة، عندما رآها وهي تتمشى بروعة وأناقة، وللأسف في النهاية، لا هو الذي استطاع ان يتقن مشيتها، ولا هو الذي عاد لمشيته الأولى القديمة، فصار مضربا للمثل، «غراب البين اللي ضيع المشيتين».

فلا عيب ابدا في ان نكون أشخاصا بسطاء، دخلنا محدود، نمد أرجلنا على قدر لحافنا، لكن العيب حين نفاجأ بتصرفات أولئك المفضوحين من ذاتهم، الذين آتاهم الله من فضله، فتحولوا إلى اشخاص آخرين، وكأن بساطتهم تلك، كانت وصمة عار بالنسبة لهم.

اشخاص، تخلوا عن طبيعتهم، لاسيما شخصياتهم، فكرهم، معاييرهم، عاداتهم، معاملاتهم، ولو بيدهم لغيروا حتى اسماء عائلاتهم، وابتعدوا عن قرابتهم، وهذا ان دل، فإنما يدل على صغر نفوسهم، وغور أعماقهم، فسرعان ما طفوا على السطح، فكشفوا امامنا عن حجمهم، وكأننا لم نعرفهم من ذي قبل، ونعرف ركاكة ورثاثة أحوالهم، وبذاءة هيئتهم، وفي ليلة وضحاها، اختلفت نظرتهم، ونسوا بيئتهم، وتنكروا لنشأتهم.

فكل منهم اصبح عبارة عن خلل في شريان غبي، يتباهى بأقل وأصغر وأتفه الأشياء، وكأنه يروج نفسه، كما تروج البضائع الراكدة.

يقال: «قطرة الماء في بيت النمل تعتبر بحرا».

واما أصحاب النفوس الأصيلة الكريمة، يبقون ثابتين على استقامة منهجهم، وان آتاهم الله من فضله، تجدهم عفيفين، قنوعين، محترمين، بل ويترفعون عن تلك التصرفات وتلك الأمور المادية والدنيوية، لا يريدون ان يحرموا ما رزقهم الله به، ببجاحتهم وفظاعتهم.

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد