**

اشتعلت مواقع التواصل والناس بمختلف الدول غضباً على تصريح جازم بالنفي أنه «لا يوجد في العالم دكتورة جراحة متميزة.. وإن وجدت فإما غير متزوجة وإما مسترجلة».. صدمت من رأي القائل الجازم وهو دكتور أكاديمي معروف.. من أين جاء بهذا النفي الذي لا يبت إلا عن ضعف المصادر؟.. وأرى أنك قد فجّرت على نفسك موجاً من الجمع الهائج، أكثرهم من الرجال الواعين.. وأزواج طبيبات جراحة.. فلا يوجد عالم يخلو من طبيبات جراحات متميزات.. ومتزوجات.. وإذا وجدت طبيبة جراحة، فبقناعتك مسترجلة؟!

لا يوجد مبرر لهذا الكلام، فالعالم يعج بالجراحات الناجحات بالرغم من ان العادات والتقاليد التي تعتبر تخصص الجراحة لا يناسب النساء خاصة الجراحات الدقيقة.. وأن الثقافة المجتمعية المسيئة للنساء بشكل عام أثرت بصورة مباشرة في فكرة تقبل النساء كطبيبات جراحة.. فغرف العمليات كما يُعتقد هي حصن منيع للأطباء الجراحين.. وأن المرأة لا يمكنها العمل أو المنافسة.. وأن المرضى لن يتقبلوا فكرة إجراء عمليات جراحية لهم من قبل النساء!

لا يجوز أن نستقي معلوماتنا وإحصائياتنا من مواقع الإنترنت من دون الرجوع إلى مصادر موثوق بها.. ولا يمكن أن نأخذ كل ما نقرأ.. وقد اطلعت على دراسات كثيرة تقول عكس ما قلت.. وتعزو الدراسات قلتهن إلى الصورة المرسومة مسبقاً عن النساء الطبيبات أنها صورة نمطية بكل تأكيد.. تقول أول رئيسة للكلية الملكية للجراحين في بريطانيا الدكتورة كلير ماركس إن عدد الطبيبات الجراحات في بريطانيا لا يتجاوز 800 طبيبة، وبنسبة %11 من مجموع أطباء الجراحة.. وأشارت إلى عدم المساواة بين الجنسين في تخصص الجراحة، وفق تقرير لـ«بي بي سي».. وقال باحثون من جامعة تورنتو إن النساء أكثر مهارة من الرجال في الجراحة..

وفي مسح شمل أطباء مؤهلين حديثاً في بريطانيا، أفادت %68 من الطبيبات بأن تخصص الجراحة لا يعتبر تخصصاً يرحب بالنساء.. إذاً المشكلة اجتماعية.. وسيادة المجتمع الذكوري في المقام الأول.. رغم ذلك، حاضرات.. متميزات في كامل أنوثتهن متزوجات وغير متزوجات..

وفي الأردن، أظهرت دراسة نشرتها حديثاً جمعية معهد تضامن النساء الأردني أن هناك أكثر من 15 طبيبة جراحة.. أما في مصر، فيوجد 2797 طبيبة في تخصص الجراحة، وفي الغالب متزوجات، وهناك الدكتورة الجراحة منى كسكين الوحيدة بين أطباء جراحة المخ والأعصاب في غزة.. وهي متزوجة.. وفي الكويت ودول الخليج عدد لا بأس به من الجراحات في مختلف التخصصات، وأكثرهن متزوجات.. نسبة قليلة ولكن حاضرات في هذا المجال.. وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه الجراحات في العالم لظروف العمل في غرفة العمليات التي تقتضي أحياناً استدعاء اختصاصية الجراحة في أي وقت نهاراً أو ليلاً.. ورغم ذلك حاضرات بتميز رفيع..

ومن وجهة نظري، لا بد من تكسير الصورة النمطية والثقافة المجتمعية المتعلّقة بعمل النساء كطبيبات جراحات، والواضح أن الزميل لم يتناول المسألة بموضوعية وشفافية.. وتصريحه لا يبت عن منهجية علمية وإحصائيات موثقة.. «فكيف لا يوجد؟!».. أحرجت نفسك أيها الزميل أمام العالم.. ووقعت بهذا الفخ وأنت رجل أكاديمي مرموق.. سقطات فتحت عليك جبهات قد لا تغفر لك يا هداك الله... اترك لجمهورنا حق الرد على ما قيل وما برر فيه القول..

@Drahmadkw

القبس