حدث | تخاريف! - بقلم : د. سعود محمد العصفور
24/05/2019 12:13 ص
كاتب 1
**
قُلْتُ:
أنحن هنا بحق؟
بل نحن هناك!
إنها حقيقة مجردة!
بل محض تخاريف!
لا ينفك العقل عن تصور أشياء تبدو لأول وهلة حقيقة، لكننا عندما نمعن الفكر وندقق النظر، نجدها محض تخاريف وتُرَّهات جالت بخواطرنا لتحكي لنا صورة متوهمة عبَّرت بصورة عشوائية عن دواخلنا الباطنية التي أضحت أسيرة لنوازع شتى. هي في الواقع تخاريف، ربما تتحقق في منامنا أو في يقظتنا يوماً، لأننا ببساطة نتصورها أملاً قادماً، أو رغبة جامحة في حيازة الأشياء، وربما حيازة أحباب يستحيل وصلهم أو الاقتران بهم.
قد تكون التخاريف لوناً من ألوان الخيال الإبداعي، فالفنان غالباً ما يتوهم الأشياء، سواء في رسم لوحة أو تباين أو تمازج ألوانها، أو كتابة مقالة كهذه التي نحن بصددها، أو كتابة قصة يؤلف كاتبها بين مكوناتها؛ بداية وأحداثاً ونهاية، ليصنع الإبداع خيالاً متوهماً ثم واقعاً متحققاً.
إننا بحق نحتاج إلى خيال ينقلنا إلى دنيا التخاريف في أحوال شتى، كالهروب من واقع محزن فرض علينا ولا نملك تغييره اللحظة، أو تصور لواقع محزن آخر نحتاط لعواقب أموره ولو لم تحدث حوادثه؛ إنها محض تخاريف. درجنا أن نكيف الواقع ونسعى في ثناياه، وربما كان كما نرجوه، لكن رغباتنا الملحة أبد الدهر تدفعنا للسعي إلى الأفضل والأليق والمؤمل، تلك أماني لا نفك إليها غاية، ووسيلة لا ندخرها سعاية.
ومهما يكن من أمر، فإن في التخاريف غايات متحققة، ففي أعراف السابقين محاكاة لها، فشخوص كثير من الخرافات تخالف واقع البشر وتخرجهم عن حقيقتها المجردة، والأطفال إحدى محطات تجاربهم، وكل مجتمع يعرف بقصصه وتخاريفه التي يسقطها عليهم، ومثال ذلك ما في المجتمع الكويتي القديم من خرافات تعلقت بها الأجيال، جيلاً بعد جيل حتى انتهت إلى واقع التزييف وتلاشت صورها، مثل: «حمارة القايلة»، و«السعلو»، و«أم السعف والليف»، و«الطنطل».. وغيرها من الشخصيات الخرافية، وضعت لغايات متعددة الهدف منها تخويف الأطفال وعدم خروجهم في أوقات معينة.
وكذا الحال في تصورنا لأشياء قد تبدو حقيقية، لكنها محض تخاريف، أوجدها العقل خيالاً لا يمكن قبوله حقيقة، لكنها بلا ريب تعد مساحة نسبح فيها في دنيا تخاريف الخيال، ربما نسعد بها، أو نحذر من خلالها لأشياء متوهمة، قد تحدث أو لا تحدث البتة. غريبة نفوسنا البشرية في نسجها للخيال وتصور ما يمكن حدوثه واقعاً، تمسه، تتداخل في تفاصيله، وتسقطه واقعاً متخيلاً لا يمت للحقيقة صورة ولا كنهاً، إنها إبداع خالق احتوى بعلمه كل شيء فأحسن خَلْقَه.
dr.al.asfour@hotmail.co.uk
القبس
التعليقات
ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين
واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع