آراء ومقالات المزيد

حدث | حينما تضيق الروح - بقلم : فاطمة العسيلي

22/01/2019 12:38 ص
حدث | حينما تضيق الروح - بقلم : فاطمة العسيلي
**

كلما امتلأ احتمالي وأثقلتني الدنيا بأحمالها وتداعت علي غرائبها، وصعدت إلى فوهة التحمل، أهرب من الواقع الأليم إلى المكان الوحيد الذي أحب أن أذهب إليه وحدي وهو.. البحر.

فعادتي أن أذهب إليه عند بزوغ الشمس والشاطئ خال من أي كائن متحرك، أمشي على رماله الدافئة وأحكي للشمس المتوارية خلف ستار الليل الذي ودعنا بأسراره شجونا مكنونة في ذاتي المكلومة وأحزانا مدفونة ككنوز هذا البحر العميق.

وللحظات الشمس الحانية التي تودع فيها يومنا وقت الشفق، لا يمكن أن تفوتني هاته الساعة فهي أحب الأوقات إلى نفسي والتي لا أحب مشاركتها سوى حبيبي البحر، فهو يبتلع أحزاني مع كل هدير موج متكسر على جنبات الشاطئ، ويستوعب عني ما لا تطيقه نفسي التي ضاقت بسموم أناس ينفثون أنفاسا ملوثة أغرقت كل جميل في كدرها، وأحالت الجو باردا راكدا يخنق أحلامنا ويصادر حقها في الحياة!

هناك...، وأنا أحاوره دون صوت، فينصت متلقيا مني الآلام المتصاعدة مع هواء الزفير... وعندما ينتهى حديثنا وتهدأ نفسي، أتأمل لون الشمس الساحر مع صوت الأمواج وهي تتلاطم فينتج عن ذلك دبيب للسعادة،

هذا الهدير الذي يضفي عليها منظرا ساحرا خلابا وكأنها كوبا ضخما من مشروب مسكر فائر، ورائحة البحر المنعشة التي تتوغل إلى أعماق دواخلي فأشعر أنني أتنفس معه من رئة واحدة.

تخيل معي.. أنك هناك وحدك وتعيش كل هذا الجمال وتجد نفسك بتلقائية تغلق عينيك بلطف وتأخذ نفسا عميقا يتوغل بقوة إلى صدرك حد الامتلاء، فتنبعث في نفسك راحة وهدوء عجيب.

ما أروع هذه الأوقات التي تكاد هي الوحيدة التي تستمتع بها في حياتك!

هناك البحر بلا ضفاف ولونه يتلون بلون السماء فإن كنا صباحا يلبس اللون الأزرق وفي المساء يكتسي باللون الرمادي..،

يا إلهي أتذكر مرة فعلتها وانطلقت لعناقه بعد اشتياق ومن إرهاق السباحة واللعب معه رميت بجسدي على صفحته الرقراقة، فحملني بخفة ورومانسية عارمة، وأخذ يتقاذفني بانسيابية تارة هنا وتارة هناك، شعرت وقتها أنني جنين يخرج من رحم هائل، لكن دون بكاء، وأطلقت ذراعي على امتدادهما وشعرت وكأنني ريشة سقطت من جناح طائر هائم في السماء...

ثم جال بصري في السماء وفي الأفق الممتد من حولي، ورأيت طائر النورس يطير على امتداد الشاطئ، كم كان طيرانه مبهجا وصوته يثير في النفس دغدغة رائعة بعذوبة صوته الحاني الحاد، ثم أشرقت الشمس وأخذت أشعتها تتلألأ نورا مشعا وكأنها ماسات براقة نثرت على سطح الماء فكستها ألقا نادرا، فأخرج من أحضان صديقي وأنا مولود جديد قد غرقت كل همومه في أعماق دواخله، وتعاد الكرة مرات، تحملني الدنيا بهمومها وأوجاعها ثم أذهب إلى صديقي فيحملها عني ويلقي بها في أعماقه، ولا يتركني أذهب حتى يلتهم مني أحزاني حتى الشفاء، فهل هناك صديق سواه يقوى على استيعاب كل هذه الأحمال منك؟!

فعلا هو ملاذ صامت لغته تفهمها النوارس وتترجمها الأمواج وترددها الرمال، تخرج إليه الأسرار وتنتشي بعناقه كأنها تتحرر من قيد خانق كان يقتطع من أيامنا جمالها وينزع عن الحياة بهاءها.

فلتقبل يا بحر همومنا، ولتذرف أمواجك طهارات لنفوسنا الحيرى، ولنقم على ضفافك حفل شفائنا وولادتنا الجديدة...!

fatmaalosily@gmail.com

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد