**
هناك قصص قد قرأناها أو سمعناها واستمتعنا بقراءتها أو سماعها، لكن عندما نقرأها أو نسمعها مرة أخرى نضرب كفاً بكف، لأننا نقوم بتأويلها وإسقاطها على واقعنا. أذكر قصة للكاتب عزيز نيسين، كنت قد قرأتها قبل فترة، لكنني حينها أردت الاستمتاع بالقصة من دون أن أربطها بحالنا، فلم أشأ أن ينتابني شعور مضاف بالأسى على الواقع. عندما عاودت قراءتها شعرت بالمرارة، وشعرت كذلك بالاستغراب، لأن في قراءتي الأولى لم أشعر كما شعرت في قراءتي الثانية لها. سأختصر القصة على قدر ما أستطيع: صاحب مخزن أزعجته الفئران التي تجتاح المكان، فكانت تأكل كل المنتجات التي يحويها المخزن، فلا تبقي ولا تذر. لم يدع صاحب المخزن أي وسيلة للقضاء على الفئران إلا وجربها، فوضع لها السم، ونصب لها الفخاخ، لكن جميع محاولاته كانت تبوء بالفشل، فما استطاع إلا اصطياد القليل منها، وازدادت الفئران عناداً وتعنتاً، وتكاثرت وكثر عددها.
المهم اشترى ثلاثة أقفاص ووضع الفئران التي استطاع اصطيادها، وكان عددها قليلا جداً، داخل تلك الأقفاص، وعرضها لجوع شديد. قامت تلك الفئران من شدة الجوع بأكل بعضها بعضاً، وبما أن البقاء للأقوى، لم يتبقَ إلا فأر واحد في كل قفص. أطلق صاحب المخزن سراح الفئران الثلاثة، فأخذت بدورها تهاجم الفئران الطليقة الموجودة في المخزن لأنها، أي الفئران الثلاثة، قد اعتادت على الشر والفتك بعضها ببعض، فانقرضت الفئران. انتهت.
ما أشبه الحدث الذي في القصة بما يجري في بعض مناطق العالم، فأغلب الصراعات الواقعة، والتي تدور سببها الفتنة التي يزرعها من لا يخاف الله بين الناس، والناس بدورهم يقاتل بعضهم بعضاً، وهم لا يدركون أنهم بذلك يحققون مآرب ذلك الشخص المتنكر على هيئة بشر سيأتي اليوم الذي ينقلب فيه السحر على الساحر، فتلك هي عدالة الحياة.
Naalqenaei@gmail.com
القبس
ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين
واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع