آراء ومقالات المزيد

حدث | ضرورة علم «التاريخ»! - بقلم : يوسف عبدالرحمن

20/11/2019 12:55 ص
حدث | ضرورة علم «التاريخ»! - بقلم : يوسف عبدالرحمن
**

y.abdul@alanba.com.kw

الأمة التي تحفظ تاريخها تحفظ ذاتها وكيانها!



كم من تاريخ وأحداث زورت وهي بحاجة اليوم إلى التعديل!

إن الإحاطة بعلم التاريخ لا تكتمل دون الإلمام بمدخله!

التاريخ ذكريات محفوظة، والعمر ذكريات ومحطات مطوية، ومن يلتمس الخلود يجده في التاريخ!

المدخل اليوم لفهم علم التاريخ هو الثقافة بعينها، فالتاريخ مرتبط بحركة الإنسان في الأرض، وبنظرة إلى كل العصور تجد تفوقا وإخفاقا هنا وهناك في كل أمة من الأمم.

ولو تكلم الموتى لأصبح التاريخ مجموعة من الأكاذيب والروايات السخيفة!

وبنظرة إلى تاريخ المشرق والمغرب تجده حافلا بالأحداث المدونة.

أنا وغيري ممن قرأنا كتب التاريخ نعي ونعرف أن تزويرا كبيرا أدخل إلى هذا التاريخ لعدم وجود الأمانة العلمية وغياب سعة الأفق والثقافة والعلم في هذا الجانب الحساس من حياة أي شعب وأمة.

عزيزي القارئ الكريم: ما عليك، دعني آخذك معي إلى تاريخ العصور القديمة والعصور الوسطى والعصور الحديثة المعاصرة فماذا نجد؟

أين الحضارة العربية الشامخة في بلاد الأندلس؟

وأين حضارة بلاد الرافدين؟

وأين حضارة بلاد الشام وفلسطين؟

أين الحضارات الإغريقية والهندية والصينية والرومانية والمصرية القديمة؟

إذن، الجغرافيا أقوى من التاريخ، ليس في الدراسة الجامعية، وإنما في الحياة، لأن الجغرافيا تحكم وتصنع التاريخ!

تخيل لو لم نجد من يكتب لنا (سيرة التاريخ) خاصة القديم بأبرز إنجازاته الحضارية، ماذا سيكون الحال؟ ومن أين تعرف الأحداث؟ هذه أهمية كتابة التاريخ.

وأنا شاب أمسكت كتاب رحلة ابن بطوطة (تحفة الأنظار في غرائب الأمصار)، لقد أخذني عبر مذكراته القديمة إلى الأمصار وشعوبها وخاصة الحضارة العربية القديمة إلى يومنا هذا.

مشكلة التاريخ إذا لم يدون في سجلات خاصة في عصور الجهل، وهذا ما يجعل التاريخ ينقل عبر ذاكرة الأجيال دون تسجيل وهذا يدخل على التاريخ زيادات أو نقصان!

كما أن اليهود لعدائهم لملة الإسلام قاموا بدور كبير في طمس معالم الحضارة العربية الإسلامية، كما أن القبائل العربية اقتصر تدوينهم على الأحداث الخاصة بهم فقط!

أتوقف طويلا أمام (الحروب الصليبية) التي استمرت قرنين من الزمان وتم خلالها نقل حضارة العرب وثقافتهم إلى أوروبا في نهاية العصور الوسطى ومازلنا حتى اليوم في سبات عميق فيما استفاد الأوروبيون من تراثنا وتمت ترجمة كل علومنا من الكتب الشهيرة مثل كتاب الطب للرازي وكتاب القانون لابن سيناء وكتاب المناظرات للحسن بن الهيثم.

أرى، والله أعلم، أهمية أن تقوم دولنا العربية والإسلامية بحصر علم التاريخ وتتابع تطوره في المشرق والمغرب خاصة لأولئك الأعلام من المؤرخين في القرنين الثالث والرابع من أمثال: الطبري ـ الهمداني ـ ابن النديم ـ اليعقوبي ـ البلاذري ـ المسعودي وما تلاهم من مؤرخين في أواخر العصر البويهي مثل الخوارزمي ـ البغدادي ـ ابن الجوزي ـ ابن الأثير وغيرهم الكثير.

المشهد اليوم يدلنا على أن أهم ميادين المعرفة هو التاريخ لأنه سجل الزمن ومرآة ثقافة وحضارة أي شعب في هذا العالم، ومعلوم أن التاريخ مرتبط دائما بتحديد الوقت، ومن البشر من قد تصدر المشهد والأحداث خاصة أن الثقافة العربية الإسلامية تؤكد دور الرسل والأنبياء.

وتبقى الحقيقة المجردة: أسعد أيام البشر هي تلك الصفحات البيضاء في كتب التاريخ!

والتاريخ عبرة ومدرسة، والويل كل الويل إذا كان هذا التاريخ مكتوبا لغرض أو هوى!

٭ ومضة: في ظل قفزة (غوغل) الإعلامية الحضارية نستطيع توظيف هذا (العنكبوت الإلكتروني) إلى تدوين للتاريخ ومحطاته منذ عصر بني أمية وما تلاهم من طوائف وأمم مثل العباسيين والأندلسيين والموحدين والمرابطين.

اعلم عزيزي القارئ أن (مقال) اليوم (وجبة دسمة) لكن لا بد منها في ضوء التغيرات والمسيرات و(كفر) الناس بالفوارق والتصنيفات الطائفية ومن لا يتعلم من التاريخ لن يتعلم أبدا!

تبرز اليوم أهمية معرفة التاريخ كعلم ومنهج، والإنسان العاقل من يعتبر من محطات التاريخ خاصة في (البروز والظهور ثم الاختفاء).

نعم التاريخ (علم أصيل) من أنواع المعرفة وهو ثقافة وأدب وعلم، والمشكلة تكمن في أن صانعي أحداثه يموتون وأزمانهم تتغير والتاريخ (ماض وحاضر ومستقبل) وتبقى الحقيقة المرة وهي أن التاريخ سجل الأحداث والوقائع وهو (نهج) يتعرض إلى النكبات والحروب، والأهم هنا على كاتب التاريخ بنزاهة وتجرد من العواطف الذاتية والتحيز الشخصي.

إن التاريخ يجعلنا نفهم الحاضر، حيث إنه يفسر أصول الوضع الحالي للأمور كما أنه أداة للثقافة العقلية، فقيمته إذن تنحصر في تنوير حاضرنا ومساعدتنا على السير في رحاب المستقبل.

٭ آخر الكلام: هناك مصادر أساسية وأصلية ومراجع لها دورها في الكتابة التاريخية المدعمة بالوثائق والصور والكتابات الأثرية والمسكوكات من عملة وأدوات ورسائل شخصية ومذكرات ولقاءات.

وقد يسألني قارئ عن العلوم المساعدة للتاريخ؟

كلما تسلحت بالفقه وعلم الأنساب والآثار وتاريخ الأدب وعلم الاقتصاد والسياسة وعلم الأجناس وعلم الإنسان وعلم الوثائق، كنت متمكنا من فهم التاريخ وكتابته.

٭ زبدة الحجي: ما أحوج أمتنا العربية والإسلامية إلى (موسوعة عربية إسلامية ميسّرة) تسهل للباحثين والدارسين الحصول على المعلومات والصور ومتطلباتهم بسهولة ويسر، مكتبات مدارسنا وجامعاتنا بحاجة إلى هذه الموسوعة الميسرة.

هذا الجيل الحالي (سطحي) يحتاج إلى إطلالة على التاريخ (موسوعة عربية) متوافرة لكل (شعب وبلد) وهذه فرصة نشكر باسمكم كل الجهود التي رأيناها في حياتنا وقد سهلت لنا الحصول على المعلومة في (المعجم الوسيط ـ والقاموس المحيط ولسان العرب لابن منظور ومعجم تاريخ البلدان العربية ومعجم المصطلحات الأثرية والتاريخية وكل كتب التاريخ والفهارس).

تبقى الحقيقة المهمة: هناك صفات للمؤرخ المؤتمن ولعل أبرز صفاته الأمانة، الحزم في عرض الحقائق، لا يخاف لومة لائم، لا يجامل ولا يتحيز أو يداهن وليس عليه رقيب اللهم إلا ضميره الحي، وبعيد النظر، ويملك ملكة النقد والتحليل والاستقراء والموازنة والمقارنة، ويتسم بسعة الأفق والعقلية الواعية، وأن يميز ما بين المعارف والحقائق ولا يتأثر بالغير، وله أمانة فكرية، ولا ينصب نفسه قاضيا، ملماً ببعض اللغات الحية، وأن يكون واسع الثقافة، ملماً بأحداث مجتمعه وأمته، متفهما للمدارس التاريخية، وعارفا مختلف العلوم، ومتواضعا، وأن يبتعد عن سرد أحداث الماضي إلا من خلال فهم ما يدور حاضرا، ولا بد أن يكون موهوبا يملك الثقافة والعلم والفراسة والمصداقية، وأهم شيء «التقوى»، وأن التاريخ هو الحصيلة الإجمالية لأشياء كان من الممكن تفاديها!

نعم.. الدول المتقدمة التي تمتلك حضارة العلم وسلاح الصناعة هي التي أخذت من (تاريخنا) ما جعلهم سادة اليوم!

تاريخ العالم ألخصه في حقيقة واحدة وهي: عندما تكون الأمم قوية لا تكون عادلة، وعندما ترغب في أن تكون عادلة تكون قد فقدت قوتها وسطوتها!

هكذا يتضح لكم أهمية التاريخ.. فماذا عسانا فاعلين في ظل هذه الأحداث؟ والمهم صنع التاريخ لا كتابته! ويبقى (قلبي) يعورني على ديرتي وشعبي!

في أمان الله..

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد