آراء ومقالات المزيد

حدث | عزاء أم هناء! - بقلم : فاطمة المزيعل

05/06/2018 12:27 ص
حدث | عزاء أم هناء! - بقلم : فاطمة المزيعل
**

أصعب شعور هو شعور الفقد، يبقى مغروسا في دواخلنا، يغير مزاجنا، ويقلبنا رأسا على عقب، فيجعلنا نعوم بكابوس مطلي بالسواد، يشقينا ويرهقنا، ويبقى البكاء هو لغتنا الوحيدة، الذي ننفس من خلاله عن حرقة قلوبنا وحزننا.

فحين نفتقد أشخاصا عزيزين علينا، نشعر برحيلهم وكأن هناك شيئا كسرنا، شيئا افقدنا القدرة على استيعاب موقفنا، من شدة صدمتنا.

وكم هو غريب، حين نرى الآن في معظم العزاءات التي نحضرها، أمورا لم نألفها أبدا، تلجمنا، تذهلنا، وتجعل الصمت يخيم علينا.

في هذا الزمن الذي ماتت به كل الأحاسيس والمشاعر، وثلجت فيه كل العواطف، ولم تعد تمت في تلك النفوس بأي صلة.

فنتساءل فيما بيننا، هل نحن في عزاء أم هناء؟

فلو نعود لأيام ذلك الزمن البعيد، لتذكرنا بأن للعزاء حرمة، يجب على الجميع احترامها وتقديرها، إكراما لروح الميت، وإجلالا له، فعن ابن أبي ليلى أن قيس بن سهل بن حنيف كانا بالقادسية، فمرت بهما جنازة فقاما توقيرا لها، دون أن يعرفا صاحبها.

فماذا عنكم انتم يا من فقدتم أغلى ما لديكم؟!

لماذا أصبحت اغلب عزاءاتكم، مكانا للهرج والمرج، ومكانا هدفه الأنس الاجتماعي، في وسط مليء بالضوضاء، والضحك المذموم؟

لماذا اصبحنا نرى الزوجة والتي فقدت زوجها وهو في أوج شبابه، لم تنتظر حتى ساعات من بعد رحيله، إلا وبدأت تتصفح حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وتكتب تغريدات وكلمات، وكأنها تريد أن ترينا كم هي تتلوى وتتأود وتتأوه حزنا عليه، لماذا اصبحنا نرى الأم التي فقدت ابنها، جل اهتمامها هو أن تنقل لمتابعيها الكرام، كم هي إنسانة صابرة، مؤمنة، قوية، من خلال كلامها المنمق والمصوغ الذي تكتبه، متجاهلة من أتاها متعنيا، لمواساتها وتعزيتها، كونها غارقة في عالم آخر مع جوالها.

لماذا نرى من فقد أبيه، غير مهتم أو مبال، وكأنه ينتظر هذه اللحظة منذ حين! منشغلا بكتابة تغريدات يعبر بها عن حزنه ومرارته، يغردها وهي عكس واقعه اللئيم، لماذا نرى من فقدت أمها، تقوم بتصوير نفسها، وهي تبكي وتنوح وتتمتم بكلمات غير مفهومة، وكأنها مجبرة على ذلك؟!

منذ متى أصبحنا نعبر عن حزننا لفقداننا بعزيز علينا بتلك الطريقة المصطنعة المبتذلة؟

إلى هذا الحد أنستنا مواقع السوشيال ميديا أقصى قدر من الأصول الإنسانية؟ وما هذا المزاج الجبار الذي تملكونه، والذي جعلكم تبالغون وتراءون حتى في أحزانكم، ودموعكم، وتنهداتكم؟ لماذا لم تحترموا تلك المساحة والتي يفترض بأن تكون بينكم وبين ربكم؟ وما هذا الشيء الذي يستحق بأنكم تنسجون تلك المتاهات الدهماء، والتي لم تستطيعوا من خلالها الكف عن ترديد ترهاتكم.

فما أغربكم!

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد