آراء ومقالات المزيد

حدث | عظماء.. صنعوا تاريخاً - بقلم : يوسف عبدالرحمن

25/09/2018 12:44 ص
حدث | عظماء.. صنعوا تاريخاً - بقلم : يوسف عبدالرحمن
**

y.abdul@alanba.com.kw

من الأسفار التي أتذكرها إلى (دبي وأبوظبي) في السبعينيات، الأولى كانت مع الأخ العزيز جاسم الطليحي، والثانية مع أخي وصديق عمري الذي فقدته مبكرا محمد عبدالله الفزيع - أبو أحمد - رحمه الله، وكانت دبي حينذاك تستشرف المستقبل من حاكمها وفارسها وقائدها الشيخ راشد وشعبها الوفي البسيط، وزرنا ايضا أبوظبي بالسيارة.

أتذكر (حب الناس) لنا ككويتيين، منهم من يذكر المدارس أو المستوصفات أو المراكز الطبية، والبعض يسأل عن مجلة العربي وكانت دبي والشارقة وأبوظبي اراضي رملية متداخلة والأكل المتصدر في المطاعم المتهالكة هو «العيش أي (الأرز) والسمك والخضراوات» وليس هناك (حلو) إلا بعضا من تمرات وقهوة!

أتذكر خور دبي وسوق مرشد وسوق ديرة وكان الناس إذا (أكرموك) قدموا لك الشاي الأسود أو مشروب الزعتر، وإن كنت في ضيافة شيخ أو تاجر يضع لك (العود) في المبخر وهو من حسن الضيافة قبيل الانصراف.. ما بعد العود إقعود!

وأثناء الاحتلال العراقي الغاشم كنت في الإمارات وجدت أن (الضيافة) استبدلت بالفوالة وهي صحن كبير يضم جميع أنواع الفاكهة وأطيبها، وهكذا الدنيا تتطور.

سفرتنا إلى دبي في السبعينيات.. كان مقر الحاكم حينذاك حجرتين ومرافقهم على خور دبي.. بساطة عيش وتواضع، ويقود هذا كله بصمت وهمة عالية رجل خرج من رحم الإمارات والتاريخ اسمه (راشد) الخير أخذ حكمته من أجداده ومارس حياته بفطرته البدوية منذ ولادته عام 1912 وحتى وفاته 7/10/1990 بعد الاحتلال العراقي الآثم بشهرين!

وخلال الاحتلال العراقي الغاشم وأنا أراجع القنصلية في دبي دار بي الزمن واسترجعت ذاكرتي وتذكرت قائدا ملهما قد رحل عن دبي (حبه الكبير) التي أعطاها من وقته وجهده وشبابه حتى صارت ما آلت إليه اليوم، انه راشد، طيب الله ثراه ومثواه.

أنا لا أخفي أبدا إعجابي بشخصية الشيخ راشد آل مكتوم والشيخ زايد آل نهيان رحمهما الله، فكلاهما عمل على إبراز دور دول الساحل المتصالح او المتهادن كما سمي في وقته ونجحا في هذا الأمر.

رحم الله الشيخ راشد آل مكتوم الذي استطاع أن يحول (دبي) الصغيرة التي زرتها في السبعينيات وكان بها دوار واحد ومن قرية صغيرة ومرفأ لصيادي السمك والباحثين عن اللؤلؤ الى ان تكون دبي اليوم الحضارية!

حنكة (راشد) تتمحور في كونه عرف كيف يتعامل مع قوى مختلفة على ساحله هي القواسم جنوبا وبني ياس شمالا، أضف إلى ذلك الهيمنة القبلية والسيطرة والنفوذ البريطاني والجوار الإيراني والتاريخ العماني الممتد، رجل يملك الدهاء السياسي والحكمة والحنكة وبعد النظر.

عشت أياما أتذكرها متنقلا في ديرة وبر دبي والشندقة وشاهدت وأعجبت بما صنعه (راشد) بعد أن حوّل الأنظار الى مدينته (دبي) الحالمة بالمجد وقد سبق عصره ورفع رأس والده الشيخ سعيد آل مكتوم - رحمه الله - وورث إلى أبنائه وأحفاده وشعبه ميلاد (دولة عصرية).

ومضة: ما أحوجنا في الخليج العربي الى أن نجمع سيرة هؤلاء العظام الذين صنعوا اليوم (مجد دولنا الخليجية) بقيمهم النبيلة ومعانيهم السامية وقيادتهم المتأنية المستوعبة الماضي والواقع بتجلياته في حضور بديهة واتساع في أفق استشراف المستقبل متجاوزين كل المطبات والتحولات محققين الأهداف والمطامح.

آخر الكلام: دعونا نترحم على والدته الشيخة (حصة) التي اختارت له الشيخة لطيفة ابنة الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، وهنا نعرف سر (التقارب) ما بين (آل مكتوم وآل نهيان) الكرام في هذه الزيجة التي ربطت أواصر دم وقربى وكلاهما يعود الى جذور واحدة من شجرة بني ياس التي تمتد من دبي إلى أبوظبي وفي عام 1943 رزق الشيخ راشد - رحمه الله بابنه البكر مكتوم والذي أصبح فيما بعد وليا للعهد وخليفة والده على سدة حكم دبي وصولا الى سمو الشيخ محمد بن راشد - مجدد دبي وراعي مسيرتها في عهدها الزاهر منذ عام 2006.

زبدة الحچي: دبي الحاضر والمستقبل ركائز رعاها الشيخ راشد الذي قابلناه في مقتبل حياتنا بتواضعه الجم ولم نعلم أنه كان يخبئ خلف هذه الشخصية المتواضعة شخصية فذة استثنائية ثوبها الاستقامة والعزم والذكاء والتواضع والإبحار في اتجاه المستقبل نحو الغد لبناء الغد الأفضل.

أنا كعربي خليجي أعتز وأفخر بتوأمين من رحم خليجنا العربي هما: الشيخ زايد وأخوه الشيخ راشد، وكلما كبرت في سنيني علمت حجم (الصناعة) التي ورثها (زايد الخير وراشد الخير).

حلو أن تتوقف عند سرد تاريخ (المنجزين) ففي التاريخ تعرف أهمية صانع الحدث أو القائم بالمشروع، فما بالك ان كان صانع دولة ومجد وتاريخ.

كلمة حرة من كويتي عتيج مازال يحلم أن يرى خليجنا واحدا ودولنا واحدة وجيوشنا واحدة وعملتنا واحدة وسفاراتنا واحدة وأن توضع في مناهجنا وتعليمنا هذه النماذج من القادة العظام أمثال زايد وراشد.

نحن جيل تربى على الوحدة الخليجية ومهما حاصرتنا رياح التغيير فسنظل أوفياء يشدنا الحنين لدولنا الخليجية التي فيها تربينا وتنقلنا ونشعر أنها كلها بيتنا الواحد.

والله وأقسم بالله إنني ما قصدت من مقالي هذا إلا أن نترحم على قادة عظام أوفياء لشعوبهم وأمتهم سيبقون في ذاكرتنا بجلائل أعمالهم الخالدة في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا، وسيظل الخليج العربي بدوله وشعبه مسيرة حب ووفاء.

كل ما أرجوه من، الله عزّ وجلّ، أن يمنحني متسعا من الوقت والعمر والصحة وأنا أرى خليجنا العربي الموحد، والحمد لله من قبل ومن بعد، ورحم الله الشيخ زايد والشيخ راشد، وزاد الله ربي دولنا حضارة ومجدا.

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد