آراء ومقالات المزيد

حدث | ما حقيقة حاجة العالم للمال؟! - بقلم : د. عصام عبداللطيف الفليج

18/09/2018 12:30 ص
حدث | ما حقيقة حاجة العالم للمال؟! - بقلم : د. عصام عبداللطيف الفليج
**

يستغرب بعض الناس سعي بعض علماء الشريعة لكسب المال من وظائف مختلفة (استشارات شرعية، تدريس، تجارة..)، وكأن كسب المال حصر على جميع الناس باستثناء العلماء. وفي الغالب ينطلق ذلك الاستغراب من أمرين، الاعتقاد السائد بأنه ينبغي على العالم الزهد والتفرغ للعلم والعبادة فقط، والثاني الغيرة أو الحسد، متناسين أن العالم بشر له احتياجاته العامة مثل الآخرين، خصوصا عندما تكون لديه أسرة وأبناء والتزامات اجتماعية.

ولا يخفى على أحد أهمية المال للعلماء خاصة، للاستغناء عن الناس، وألا يكونوا أسرى من ينفقون عليهم، ولعل هذا ما نرى بعض آثاره في هذا العصر الذي اعتاد فيه قلة من طلبة العلم (ولا أقول العلماء) التقرب من المسؤولين والمتنفذين للحصول على منصب أو جاه أو ظهور إعلامي أو مزايا، وإن لم يكن على حساب الآراء الشرعية، فالمواقف السياسية أو الفكرية أو الصمت، والسير في ركب من يدفع أو يدعم.

وقد جاء في كتاب «صيد الخاطر» لابن الجوزي مقال جميل حول أهمية المال للعالم ليعيش بحرية وكرامة، وعدم الخوف من قطع راتب أو مكافأة أو مصلحة، يقول فيه:

«ليس في الدنيا أنفع للعلماء من جمع المال للاستغناء عن الناس، فإنه إذا ضم إلى العلم، حيز الكمال.

وإن جمهور العلماء شغلهم العلم عن الكسب، فاحتاجوا إلى ما لابد منه، وقل الصبر، فدخلوا مداخل شانتهم، وإن تأولوا فيها، إلا أن غيرها كان أحسن لهم. فالزهري مع عبدالملك، وأبو عبيد مع طاهر بن الحسين، وابن أبي الدنيا مؤدب المعتضد، وابن قتيبة صدر كتابه بمدح الوزير «ابن خاقان».

وما زال خلف من العلماء والزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم، وهؤلاء وإن كانوا سلكوا طريقا من التأويل، فإنهم فقدوا من قلوبهم وكمال دينهم أكثر مما نالوا من الدنيا، وقد رأينا جماعة من المتصوفة والعلماء يغشون الولاة لأجل نيل ما في أيديهم، فمنهم من يداهن ويرائي، ومنهم من يمدح بما لا يجوز، ومنهم من يسكت عن منكرات.. إلى غير ذلك من المداهنات، وسببها الفقر، فعلمنا أن كمال العز وبعد الرياء إنما يكون في البعد عن العمال الظلمة.

ولم نر من صح له هذا إلا في أحد رجلين، إما من كان له مال كسعيد بن المسيب، كان يتجر في الزيت وغيره، وسفيان الثوري كانت له بضائع، وابن المبارك.. وغيرهم، وإما من كان شديد الصبر، قنوعا بما رزق وإن لم يكفه، كبشر الحافي، وأحمد بن حنبل.

ومتى لم يجد الإنسان كصبر هذين، ولا كمال أولئك، فالظاهر تقلبه في المحن والآفات، وربما تلف دينه.

فعلى طالب العلم الاجتهاد في جمع المال للغنى عن الناس، فإنه يجمع له دينه، فما رأينا في الأغلب منافقا في التدين والتزهد والتخشع، ولا آفة طرأت على عالم، إلا بحب الدنيا، وغالب ذلك الفقر. ومن كان له مال يكفيه، ثم يطلب بتلك المخالطة الزيادة، فذلك معدود في أهل الشره، خارج عن حيز العلماء، نعوذ بالله من تلك الأحوال». انتهى.

وقال الثوري: لولا هذه الدنانير لتمندل بنا الملوك، فالعالم إذا منح غنى أعين على تنفيذ علمه، وإذا احتاج الناس فقد مات علمه وهو ينظر.

المال عصب الحياة، وتقدم ذكره في مواضع كثيرة في القرآن الكريم لأهميته في الحياة، فلا عمل ولا إنجاز ولا علم ولا إبداع ولا اختراع بلا مال، فليبارك الله في جهود العلماء، ويبارك لهم في أعمارهم وصحتهم ومالهم وذريتهم، ولا تحسدونهم على رزقهم.

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد