آراء ومقالات المزيد

حدث | مدارج السمو - بقلم : فاطمة المزيعل

02/10/2023 12:12 ص
حدث | مدارج السمو - بقلم : فاطمة المزيعل
**

لقد ضرب لنا سيدنا يوسف عليه السلام أروع الأمثلة في التعامل مع الإخوة الذين جفوه وعادوه، فهو الذي لقي من إخوته بكثرتهم في مقابله هو وحده وعمرهم في مقابل عمره ما لقي من العداوة والكيد والظلم، فكانوا سببا في غربته عن الأهل والوطن وشقائه في طفولته البريئة وشبابه.

ذلك حين اعماهم الحسد والحقد وأعمتهم الغيرة، عندما أغضبتهم كثيرا محبة أبيهم ليوسف وأخيه أكثر منهم، فقد كان يوسف أحب أبناء يعقوب إلى قلبه، مما سبب غيرة أبنائه الباقين، وحسدهم له وحقدهم عليه، ثم العمل على الكيد له، قال تعالى: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين).

فبعد تطاول السنين وتعاقبها جاءت الفرصة سانحة بين يديه أن يأخذ حقه من إخوته الذين أصبحوا في تعب من أمرهم وضنك من العيش، لم يكن يوسف عليه السلام ذلك الانتهازي والانتقامي الحقود ليقابل السيئة بالسيئة، رغم كل ما حدث ورغم كل ما سلف من تعب وعسر، لكن كان مثالا رائعا راقيا خلده القرآن الكريم وضرب فيه أحسن القصص ليكون قدوة ودرسا لمن بعده.

كما يجب علينا ايضا ألا نستهين بتحيز وحب الأبوين لأحد الأبناء والتفرقة والتمايز فيما بينهم، فتلك ظاهرة تتسبب بحدوث الكثير من المشاكل النفسية للأبناء مثل الكره والحقد والغيرة، وهي اثم مخالف لشرع الله بسبب آثاره على نشأة الأولاد، والتي ستظهر فيما بعد، سواء في التشاحن او التباغض او عدم تماسك الأسرة، كما قد يترتب عليها العقوق.

فعواقبها وخيمة، وقد تستمر حتى الكبر، وتحدث حساسيات في الأسرة، ومن ثم سينعكس ذلك على المجتمع.

فالأخوة شيء ثمين لا يقدر بثمن، فهي الثروة التي نمتلكها، ويجب ألا نفرط بها مهما حصلت بيننا من أمور أو خلافات، وهى السكينة التي نواصل بها دروب الحياة، والعظيم بين الإخوة ليس حبا متصنعا أو مدعيا، بل هو حب فطري ينبع من غريزة طبيعية وضعها الله في قلوب الإخوة الذين يربطهم الدم، فعندما نتكلم عن الأخ والأخت الرحم هل ندري بالفعل ما قيمة ذلك؟ أم أن جهلنا وسرعة انفعالنا يدفع العلاقة بيننا إلى الضياع عند أي منعطف؟ فكم من كلمات ومجادلات ونقاشات حادة كانت سببا في الهجر والجفاء بين الإخوة.

لذلك جعل الله سبحانه من سيدنا يوسف عليه السلام مثالا رائعا راقيا خلده القرآن الكريم وضرب فيه أحسن القصص، فرغم كل ما حدث له ما كانت لتفلت منه كلمة سيئة تنزل من مستوى نفسه الراقية «قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون»، جاهلون..! لم يقل ظالمون مع أنهم ظلموا ولا فاسدون ولا مجرمون، بل هي كلمة اختارها بعناية كي يحافظ على حبل الود بينهم في خضم الصراحة المرة التي تكشف ما طوته السنون.

فرحم الله إنسانا كتم كلمة سيئة مقصودة أو غير مقصودة لأخيه أو أخته.

وليتنا نستلهم من هذه الحكاية معاني التعامل الراقي والحكيم مع إخواننا في شتى المواقف ومع كل من نتعامل معه، فهكذا تبنى البيوت السعيدة والمجتمعات الناجحة التي تتخلص من كل ما يسبب جراحا لعلاقاتها الاجتماعية.

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد