آراء ومقالات المزيد

حدث | إذاعة! - بقلم : د. سعود محمد العصفور

16/01/2022 12:39 ص
حدث | إذاعة! - بقلم : د. سعود محمد العصفور
**

قُلْتُ:
مرسل!

أم مستقبل؟!

أنت إذاعة!

نرسل حيناً، ونستقبل أحياناً، ولا حاجة البتة إلى ما يقف حائلاً دون استقبالنا من موجات صوتية تنتشر في كون فسيح في صورة دوائر هلامية تكبر كلما بعدت عن مصدرها.. إننا في حياة تتعالى فيها الأصوات، لكنها لا تلبث أن تتلاشى في محيط سماوي لا ندرك كنهه.

كلمة جميلة تخرج فتسكن في النفوس فتحدث فيها البهجة والحبور، وكلمة جارحة تجرح النفس وتدمي القلب، كأنها وأختها تخرجان في جو هلامي عبر موجاته.. إنها حياتنا وتعاملنا مع الغير في شتى المواقف والأحوال، حسبنا أن تلك الكلمات خرجت ولن تعود كما هي، بل سوف تتوالى غيرها من الكلمات ويكون مصيرها ذات المصير.

والعاقل من يشعر أن كل ما قيل له يجب أن يكون في دائرة النسيان طالما أن في الجسد فكره الذي يمكن أن يصنع مثلها أو خلافها، فيتناسى ما قد قيل له من قول جديد، فيسعد به تارة، ويشقى به تارة، والحياة ماضية في طريق ليس له فيه الاختيار، بل عليه أن يتواءم معه، فيصلح ذاته وأحواله.

إذاعة تبدأ في دواخلنا فكرة وغاية وأمنية، فننطق بكلماتها ونصدرها للغير لعله يعرف مقصودنا ومنطوقنا، فتتلقفه نفسه بالقبول أو الرفض، لكنه كما نحن لا يملك دفعها إن خرجت، فتصير في فكره فكرة يلتزم تفاصيلها ولواحقها، ثم يخرجها إلينا نطقاً قد يتبعه بابتسامة أو عبوس أو تقطيب حاجبين.

علاقتنا بالبشر تحكمها الخبرات السابقة، وكذا المواقف المتجددة، فقد نحكم على شخص ما وصلت إلينا كلمته حكماً يتوافق مع خبراتنا السابقة، ولا نسقط كلمته هذه على الموقف الجديد، وقد نحكم على آخر حكماً لا يخلو من القسوة بناء على ما تلفظ من كلام قد يكون خلاف مقصوده وقد أذاعه خطأ أو سهواً. لذا، علينا ألا نحمل الكلام أكثر مما لا يحتمل، وإحسان النية هنا مقدم على إساءة الظن.

من منا لا يخطئ، تلك قاعدة إنسانية لا يمكن تجاوزها بأي حال، لذا فإنه عند الخطأ، لا بد أن يقابل بالاعتذار، والاعتذار لا بد أن يقابل بقبوله لا برفضه، شريطة عدم تكراره أو تعمده. لذا فالتوافق هنا بين المرسل والمستقبل يكون هدفاً إيجابياً مقصوداً في كل الأحوال.

والقاعدة العامة في الإذاعة هي أن يكون جميع المرسلين والمستقبلين على وعي تام بهذا الفهم الذي يحقق للجميع جودة الإرسال وجودة الاستقبال، ويعينهم على فهم علاقاتهم الإنسانية فهماً يتيح لهم سعادة نفسية وراحة قلبية.

إنها إذاعة البشر التي تبث أخبارها من دون لاقطات بشرية مصطنعة، لا حائل يحول دونها إلا من صُمَّت أذناه، وعميت بصيرته عن إدراك الجميل من القول، والبديع من العبارات التي ما زالت تتردد في الأذهان وتحدث أثرها.

القبس

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد