حدث | «البدون» والهوية الوطنية - بقلم : مشاري المطيري
30/01/2023 12:50 ص
كاتب 1
**
«البدون» وما أدراكم ما البدون، تلك القضية التي باتت محور اهتمام الجميع، والكل يرجو لهم أن تنتهي أزمتهم وأن يتم الوصول إلى حلول مجدية من شأنها أن تساعدهم على العيش بأسلوب جيد، ولكن على مدار 70 عاما منذ ظهور تلك القضية ولم يتم إيجاد حل مناسب لها، وهذا ما يدفعني إلى طرح العديد من التساؤلات، منها: لماذا على مدار تلك العقود المتتالية لم تحل تلك القضية؟ وهل هناك أطراف تقطع كل سبل الحلول؟ وهل بعض ممن يتصدرون المشهد لهم مصلحة في بقاء تلك القضية عالقة؟!
ولكن للإجابة عن تلك الأسئلة يجب أولا معرفة كيف ظهرت أزمة البدون أو فئة «غير محددي الجنسية»، ودعوني أذكركم بالأمر، في البداية يجمع قانون الجنسية الكويتي بين اتجاهين لمنح الجنسية الأول منهما يقوم على منح الجنسية بصفة أصلية والثاني يمنح الجنسية لكل من كان على أرض الكويت قبل عام 1920، وفي ذلك التوقيت كانت الدولة تتلقى الطلبات للحصول على الجنسية، ومن هنا بدأت قضية «البدون»، حيث أكد البعض ممن ينتمون لتلك الفئة أن أجدادهم كانوا في تلك الفترة يعيشون بالصحراء ولذلك فإنهم لم يسمعوا بأمر التجنيس، وهنا ظهر الكثير من المعارضين لتلك الرواية ليؤكدوا أن باب الحصول على الجنسية تم فتحه أكثر من مرة كان آخرها عام 1981، ورأى المشككون بتلك الرواية أنه يجب فتح باب الحصول على الجنسية مجددا شريطة أن يتم إثبات مدى استحقاق الجنسية وفقا للمادة رقم 20 من قانون الجنسية والتي تقول إن «عبء الإثبات يقع على من يدعي أنه يتمتع بالجنسية الكويتية».
وعلى الرغم من أن الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية والذي أنشئ عام 2010 قد ساهم في تقديم الكثير من التسهيلات لتلك الفئة، وتم بالفعل تجنيس عدد كبير من فئة البدون ومنحهم الجنسية الكويتية، وفي إحدى مراحل التعامل مع قضية البدون قامت الدولة بتقسيم الفئة إلى 3 شرائح، الأولى منهم تأتي ضمن حملة إحصاء 65 وهم الذين سيتم النظر في أمر منحهم الجنسية باشتراط عدم وجود قيد أمني مثبت، أما الشريحة الثانية فهي تشمل من ليس لديهم إحصاء 65 ولكن لديهم ما يثبت تواجدهم قبل عام 1980، أما الشريحة الثالثة والأخيرة فهي تشمل من تواجدوا بعد إحصاء 1980 وهؤلاء سيتم مطالبتهم بتعديل أوضاعهم، وأرى أن الشرائح الثلاث تعد تقسيمات عادلة ولكن الأمر ينقصه بعضا الشيء من الدقة فلابد أن يخضع جميع من يندرجون ضمن الشريحة الأولى إلى اختبار البصمة الوراثية، وذلك للتأكد من عدم قيام البعض بتسجيل مواليد ليسوا بأبنائهم يحملون أسماءهم وبالتالي فإنهم سيتمكنون بكل سهولة من الحصول على الجنسية عقب تجنيس الأب.
وأعتبر أن من بين تفاصيل قضية البدون ما يعد ناقوس خطر على الهوية الوطنية ويشير إلى ضياعها، فهناك البعض ممن يدعون الانتماء إلى فئة البدون على الرغم من أنهم من أبناء الدول المجاورة لنا وذلك في محاولة منهم الحصول على التسهيلات التي تمنح لتلك الفئة والعيش على أمل الحصول على الجنسية الكويتية، والدليل على صحة ذلك هو البيان الصادر عن الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية وسأذكره بما جاء من أرقام وإحصائيات، فالجهاز قال إن 18217 شخصا قاموا بتعديل أوضاعهم منذ عام 2011 حتى عام 2021، من بينهم 8068 شخصا ينتمي للجنسية العراقية، و854 شخصا سوريا، و309 إيرانيين، و115 شخصا أردنيا، هذا إلى جانب 2009 أشخاص يحملون جنسيات دول أخرى، والمغزى أن البيان يكشف عن حقائق قد تعد كارثية فهؤلاء جميعا كان من الممكن أن تمنح لهم الجنسية في حالة عدم وجود عنصري الدقة والتحقق في أمر التجنيس.
وهنا يأتي دور الإجابة على السؤال لماذا لم تحل قضية البدون؟! وتكمن الإجابة في المشاهد ذات السيناريو الواحد المتكرر على مدى العقود السابقة، فبعض الشخصيات تستغل قضية البدون من أجل تحقيق بعض المصالح، ونرى أن تلك القضية تظهر وبقوة بكل انتخابات فتمتلئ البرامج الانتخابية بنقاط تتصل بـ «البدون» وبعد النجاح بالانتخابات أو الخروج منها ينسى الأمر وكأنه لم يكن، هذا إلى جانب أن بعض العقليات التي تعمل على دعم تلك القضية يستخدمون أساليب عفى عليها الزمن للتعبير عن أزمتهم مثل الإضراب عن الطعام والاعتصام هذا فضلا عن استغلال الأطفال، وتأتي الطامة الكبرى إلى استغلال قضية البدون بكل اعتزام للهجوم على الحكومة.
وأرى أنه في ظل العهد الجديد وحكومة رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، فإن تلك القضية الشائكة في طريقها للحل الذي يحتاج إلى خطة زمنية ليست بالقصيرة، فسمو الرئيس يعرف عنه مدى اهتمامه بقضية البدون منذ أن كان قياديا بوزارة الداخلية وأن تلك القضية تأتي في قائمة الأولويات لديه، وبعد توليه منصب رئيس الوزراء ساهم في تقديم الكثير من التسهيلات لتلك الفئة جاء من بينها إتاحة التسجيل للطلبة البدون من دون عراقيل.
أؤمن بأن قضية البدون تعد في أيد أمينة في ظل رئاسة سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح للحكومة، والذي يشهد له أنه لم ولن يستغل تلك القضية وأن ارتباطه بأزمة «البدون» ينبع من إدراكه لمدى معاناتهم وأن السبل الحقيقية والصادقة لابد أن تأتي في الأطر الإنسانية والتشريعية وليس بالشعارات والهتافات.
Dstoory40@gmail.com
التعليقات
ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين
واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع