**

جميعنا ودون استثناء خذلنا وقاسينا ومررنا بظروف لن يفهمها الآخرون مهما تكلمنا عنها وعبّرنا، لكن وحده فقط الإنسان العاقل الذكي كيفما كان مستواه المعرفي ومركزه المهني ومكانته الاجتماعية يعرف كيف يتأقلم ويتعامل معها إلى أن يتخطاها ويبدأ من جديد، دون فكرة اللجوء إلى الآخرين، فجميعنا نخطئ في بعض الأحيان في اختياراتنا في قراراتنا في أمور حياتنا وينتهي بنا الأمر إلى ما لا يُحمد عقباه، ولا مفر من ذلك، لكن الأشخاص الأذكياء العقلاء هم من يميلون إلى توخي المزيد من الحذر والتريث، بالأخص بعد تلك المواقف والأحداث التي حدثت معنا وأثرت من الداخل بنا، ولا يخشون إظهار أخطائهم بل ويحاولون التعلم منها، وبدلا من تقديم الأعذار عن الأخطاء أو الفشل أو الخذلان، تجدهم يسعون ليجعلوها تقويهم وتدفعهم إلى المضي قدما، هذا وبخلاف أنهم مدركون بأن الكمال غير موجود، ولا حرج في السعي لتحقيق التميز، ولكن إذا حاولت الوصول إلى مستوى لا يمكن الوصول إليه، فأنت تقوم بتخريب نفسك منذ البداية، فلا تنجرف كثيرا وكن شخصا قنوعا أيضا.

لذلك، الإنسان العاقل الذكي دائما ما تجده حاملا لأفكار مؤثرة بشكل مباشر في حياته بصفة عامة، وعلى قراراته التي يتخذها والأحكام التي تصدر منه بصفة خاصة، لذلك هو يعرف تماما كيفية التغلب عليها، وأن يكون الفرد ذاتا مفكرة لا يعني بالضرورة أنه يمتلك فلسفة معينة يسير على هداها، فقد لا يتوافر عليها إلا أنه يظل بالرغم من ذلك قادرا على ممارسة حياته طبيعية والقيام بسلسلة من الأنشطة الذهنية، كي لا تكون بصيرته قاصرة على رؤية الأمور بكليتها، الأمر الذي يجعله يعيش بتفكير ضيق رغم شساعة العالم، لكونه سائرا في ضوء منطق قاصر وإدراك معتل، فبقدر سلامة الرؤية لما هو قائم ولكل ما يحيط بالمرء بقدر ما يكون تفكيره ناضجا.

وترتبط درجة نضج فكر الإنسان بمخزونه المعرفي ومهاراته العليا التي كلما زادت فعاليتها إلا وزاد معها إدراك المرء لحقيقة الأمور، لذلك تجد الأشخاص العقلاء والأذكياء والأقوياء ذهنيا أيضا أن العواطف يمكن أن تؤثر على تفكيرهم أحيانا، لذلك ومن أجل اتخاذ أفضل القرارات يحاولون هم تعويض عواطفهم بالمنطق، ويراقبونها كي لا تؤثر في أفكارهم وتصرفاتهم.

كما أنهم لا يستسلمون بتلك السهولة، بل تجدهم يتوقعون أشياء إيجابية على الدوام، كون الإكثار من التوقعات السلبية يأتي بنتائج عكسية، لذلك فإن الأشخاص الذين يتمتعون بتلك القوة الذهنية يفهمون أن أفكارهم ليست صحيحة دائما فيسعون إلى إعادة صياغتها، كما يرتبط نضج تفكيرهم أيضا بمدى تصالحهم مع ذاتهم المفكرة رغم كل ما فيها من عيوب أو نقائص، وكلما كانوا قابلين لتغيير تصوراتهم وآرائهم ليصبحوا أشخاصا سويي التفكير إلا وكان أقدر عليهم استيعاب الأمور بشكل صائب وفهمها بدقة.

وهذا ما يسمح ببروز شخصية مستقلة غير تابعة لغيرها تتفاعل مع المجتمع بصورة طبيعية تؤثر وتتأثر بالآخرين دون أن تتيح لهم الفرصة للسيطرة عليها، فالإنسان الناضج في تفكيره يتفاعل بشكل إيجابي مع محيطه، فشله، خذلانه، ظروفه، وفي نفس الوقت لا يسمح لأحد بأن يتحكم في تفكيره أو أن يقوم بهذه العملية الذهنية في مكانه.

الأنباء