آراء ومقالات المزيد

حدث | مقل ومستكثر - بقلم : فاطمة المزيعل

18/01/2023 12:30 ص
حدث | مقل ومستكثر - بقلم : فاطمة المزيعل
**

لقد قدر الله سبحانه مقادير الخلائق وآجالهم ونسخ آثارهم وأعمالهم، وقسم بينهم معايشهم وأموالهم، وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته وإرادته، وما في الكون كائن إلا بتقدير الله وإيجاده، والدنيا طافحة بالأكدار، مطبوعة على المشاق والأهوال.

والنفس لا تزكو إلا بالتمحيص، يقول ابن الجوزي: «من أراد أن تدوم له السلامة والعافية من غير بلاء فما عرف التكليف ولا أدرك التسليم».

ولا بد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت، والحياة مبنية على الصعاب وركوب الأخطار، والمرء يتقلب في زمانه في تحول النعم واستقبال المحن، قال تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد).

ها هو سيدنا آدم عليه السلام سجدت له الملائكة ثم بعد برهة يخرج من الجنة، وما الابتلاء إلا عكس المقاصد وخلاف الأماني ومنع الملذات، والكل حتما يتجرع مرارته ولكن ما بين مقل ومستكثر، والمؤمن يبتلى ليهذب لا ليعذب، والمكروه قد يأتي بالمحبوب، والمرغوب قد يأتي بالمكروه.

فيجب ألا نجزع بالمصاب فللبلايا أمد محدود عند الله، وألا نسخط بالمقال فرب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان.

وانظر إلى التجلد عند العقلاء كيف يظهرونه عند المصاب لئلا يتحملوا مع النوائب شماتة الأعداء، فالمصيبة إن بدت لعدو سر بها وفرح، وكتمان المصائب والأوجاع من شيم النبلاء، فصابر هجير البلاء فما أسرع زواله، وما هلك الهالكون إلا من نفاد الجلد.

وتذكر دائما أن المصيبة حقا هي المصيبة في الدين، وما سواها من المصائب فهي عافية، فلا تأس على ما فاتك من الدنيا فنوازلها أحداث وأحاديثها غموم وطوارقها هموم، ولا امتحنك الله إلا ليصطفيك.

وطريق الابتلاء معبر شاق، تعب فيه آدم، ورمي في النار الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وألقي في بطن الحوت يونس، وقاسى الضر أيوب، وبيع بثمن بخس يوسف، وعالج أنواع الأذى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنت على سنة الابتلاء سائر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يصب منه»، وقال بعض أهل العلم: «من خلقه الله للجنة لم تزل تأتيه المكاره».

يقول أبو الدرداء: «من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها»، فتشاغل بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل أو اعتذار عن زلل أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب وتلمح سرعة زوال بليتك تهن فلولا كرب الشدة ما رجيت ساعة الراحة، ولا تقنط فتخذل وتذكر كثرة نعم الله عليك، وادفع الحزن بالرضا بمحتوم القضاء فطول الليل وإن تناهى فالصبح له انفلاج، وآخر الهم أول الفرج، والدهر لا يبقى على حال بل كل أمر بعده أمر، وما من شدة إلا ستهون، ولا تيأس وإن تضايقت الكروب فلن يغلب عسر يسرين، وأضرع إلى الله يسرع نحوك بالفرج، وما تجرع كأس الصبر معتصم بالله إلا أتاه المخرج.

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد