آراء ومقالات المزيد

حدث | من شبّ على شيء شاب عليه - بقلم : مشعل السعيد

29/11/2020 12:45 ص
حدث | من شبّ على شيء شاب عليه - بقلم : مشعل السعيد
**

إذا كان رب البيت بالدف ضاربا

فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

هذا البيت من الأبيات المشهورة التي طالما تمثلنا به، وهو قاعدة عند كثير من الناس، ومع ذلك فهناك من لا يسلم بهذه القاعدة ولا يقر بها، لأنك قد ترى رجلا صالحا مذكورا بالخير إلا أن ابنه على عكس ذلك، فالشجرة لا تخلو من غصن مائل، والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد روى صاحب تاريخ دمشق ابن منظور وغيره أن فتيانا من أهل المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام توفي والدهم وترك عند أخيه عم الفتيان مالا لأنهم كانوا صغارا، فلم يعطهم المال فشكوه إلى أمير المدينة، وكان الأمير حينئذ عمر بن عبدالعزيزرضي الله عنه في خلافة الوليد بن عبدالملك، فدخل الفتية على عمر وقال أكبرهم: أصلح الله الأمير، إن أبانا قد توفي، وترك لنا مالا عند عمنا «حميد الأمجي» ونحن أحق به وأحوج ما نكون له، فبعث عمررضي الله عنه وراء عمهم فأتاه، فما إن رآه حتى قال له: أنت الذي تقول:

حميد الذي أمج داره

أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع

أتاه المشيب على شربها

وكان كريما فلم يقلع !

قال: نعم أنا القائل، قال عمر: ما أراني إلا حادك، فقد أقررت بشرب الخمر! قال حميد: أيهات، أين يذهب بك؟ ألم تسمع قول الله تعالى: (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) (الشعراء - 226)، فقال عمر: أولى لك يا حميد، ويحك، كان أبوك رجلا صالحا، وأنت رجل سوء، فقال: أصلح الله الأمير وأينا يشبه أباه؟ كان أبوك رجل سوء وأنت رجل صالح (انتهى) وهذا مثال على ما ذكرت، ويكون بيت الشعر قاعدة مسلم بها إذا كان المعنى على نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» رواه البخاري ومسلم، وإجمالا فبيت الشعر مثل للمنزل الذي لا رقابة فيه، فإذا كان الأب لا يسأل أبناءه أين ذهبتم؟ ومن أين جئتم؟ يصبح المنزل سائبا بسبب إهمال رب البيت، وإذا رأينا إنسانا على سيرة غير حميدة، قلنا: لا عجب في ذلك، كان أبوه مثله، وكذلك المسؤول المهمل إذا رأينا دائرته لا نتعجب إذا رأينا موظفيه مثله، وبالعودة إلى البيت الذي ذكرته فقد سبقه بيت يقول:

وقالوا استبانت يا ابن عروة ابنتك

فقلت لهم: ما ذاك في حقه نقص

والشاعر هو «سبط ابن التعاويذي» محمد بن عبيدالله بن عبدالله أبوالفتح وكان شاعر العراق في وقته، وهو منسوب إلى المبارك بن علي الجوهري جده لأمه لأنه عاش في كنفه، وقد اشتهرت له أشعار كثيرة ومنها قوله:

إن كان دينك بالصبابة ديني

فقف المطي برملتي يبرين

وهو عباسي العصر بغدادي المولد والوفاة، ولد سنة 519 في خلافة المسترشد بالله الفضل بن أحمد المستظهر (512 - 529) وتوفي سنة 583 في خلافة الناصر لدين الله أحمد بن الحسن المستضيء بالله (575 - 622) ولهذا الشاعر أخبار كثيرة مع الخليفة الناصر لدين الله كما امتدح السلطان صلاح الدين يوسف، وكل شعره غرر وقد أضر آخر عمره، وقد وردت له ترجمة وافية في وفيات الأعيان لابن خلكان وعند العماد الأصبهاني الذي عاصره وعند ياقوت الحموي وغيره، وفيما ذكرته كفاية.. أترككم في رعاية الله.

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد