آراء ومقالات المزيد

حدث | الرقابة المبدعة - بقلم : صالح الشايجي

18/08/2018 12:15 ص
حدث | الرقابة المبدعة - بقلم : صالح الشايجي
**

كانت الرقابة جزءا من الإبداع، وتحولت لاحقا إلى خصم له.

والرقابة صنفان فمنها الرقابة الرسمية أي رقابة الدولة وأجهزتها الرسمية التي تراقب الإبداع وتؤطره بأطر قانونية، ورقابة أهلية مجتمعية، رقابة الفكر السائد في المجتمع، أي التوجهات الفكرية والثقافية الجمعية.

ولو عدنا إلى الحركة الإبداعية في الكويت منذ تشكل الدولة الحديثة فيها وأقصد دولة الاستقلال التي انطلقت في التاسع عشر من يونيو عام 1961 لرأينا أن مستوى الإبداع كان جيدا وعاليا جدا في مختلف المنتوجات الإبداعية الفنية والثقافية والرياضية، إبداعات متعافية عالية الجودة تلامس حدود الكمال، حتى ان كل مبدعي الكويت هم نتاج تلك الفترة التي قاربت الـ 30 عاما وأنتجت فيها الكويت كنوزا خالدة جاوزت فيها حدودها الجغرافية لتطرق أسماع الآخرين في أقطارهم وتغوص في عيونهم وتعشش في ذاكراتهم.

في الحقيقة ان الرقابة كانت جزءا من ذلك الإبداع، أو ربما هما الرقابتان الرسمية والأهلية، كانتا جزءا فاعلا من ذلك الإبداع، فلولا تسامحهما من ناحية ومن ناحية أخرى تفتحهما واستيعابهما وفهمهما للمنتوج الإبداعي، ما كان ذلك الإبداع ظهر للناس وتوغل في ذاكراتهم وساعد في توعيتهم وترقية أفكارهم وتوسيع مداركهم والمساهمة في صياغتهم الشخصية والفكرية والنفسية.

إذن نحن إزاء إبداع مشترك يجمع الرقابة المبدعة والمبدع نفسه والمتلقي الذي كان يستقبل تلك الإبداعات بوعي وسعادة وفهم.

الرقابة سمحت للمؤلف المسرحي بأن يطرح آراءه كما يراها هو ولم تتدخل لتحده وتوجهه في اتجاه آخر وترفع في وجهه سيف العيب أو الحرام ولم تحتج بـ «عاداتنا وتقاليدنا»، وكذلك فعلت مع أي مبدع آخر.

أما بعد تلك الزهوة والصحوة فقد بدأ الانتكاس والانكسار والجمود، وانحسر المنتوج الجيد المفيد الممتع المثقف والمربي.

تغولت الرقابة وتبدلت وحملت في يديها سيوفا وسكاكين وخناجر، وتوغلت في نفوس المبدعين وتدخلت في نواياهم لتبدو وكأنها حارسة يقظة منتبهة، أمام مبدع جاء يسرق ويسطو فسبقته وكشفت نواياه.

بل إن الرقابة الرسمية انحسرت وأوكلت الأمر كله للرقابة الشعبية وصارت الرقابة الرسمية تخشى الرقابة الأهلية.

وهذا هو الانهيار الثقافي والابداعي الذي نعيشه وتعيشه أيضا مجتمعات عربية أخرى.

katebkom@gmail.com

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد