آراء ومقالات المزيد

حدث | النفس والروح - بقلم : يوسف عبدالرحمن

23/09/2018 12:17 ص
حدث | النفس والروح - بقلم : يوسف عبدالرحمن
**

y.abdul@alanba.com.kw

هل النفس والروح شيء واحد؟ أم هما شيئان متغايران؟

هذا ما لفت نظري وأنا أقرأ كتاب «الروح» للإمام ابن القيم الجوزية!

أحرص صباح السبت قبل (زوارة العيال) على أن أقرأ قليلا حول قضايا الموت والاحياء وما ورد في هذا السياق من دلائل من أقوال العلماء وما جاء وورد في السنة الشريفة، وقد وجدت أن الإمام شمس الدين أبي عبدالله بن قيم الجوزية المتوفى 751 هجرية، هو خير من كتب في هذه المسائل، وخذ مثلا ما ضربته لكم في صدر المقال: هل النفس والروح شيء واحد أم هما شيئان متغايران؟

اختلف الناس في ذلك فمن قائل: إن مسماهما واحد، وهو قول الجمهور، ومن قائل إنهما متغايران، ونحن نكشف سر المسألة بحول الله وقوته (هذا تعقيب الشيخ ابن قيم الجوزية) في المسألة، فيقول: النفس تُطلق على أمور: أحدها الروح، قال الجوهري: الروح، يقال: خرجت نفسه، وقال أبو خراش:

نجا سالم والنفس منه بشدقه

ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا

والنفس: الدم، يقال: سالت نفسه، وفي الحديث: «ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه».

والنفس: الجسد، قال الشاعر (أوس بن حجر):

نبئت ان بني سحيم أولجوا

أبياتهم تأمور نفس المنذر

التأمور: الدم.

والنفس: العين، يقال: أصابت فلانا نفس أي عين.

قلت: ليس كما قال، بل النفس هَهنا الروح ونسبة الإضافة الى العين توسع لأنها تكون بواسطة النظر المصيب، والذي أصابه إنما هو نفس العائن كما تقدم.

قلت: والنفس في القرآن تُطلق على الذات، كقوله تعالى:

(فسلموا على أنفسكم) النور 61، وقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) النساء 29، وقوله تعالى: (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) النحل 111، وقوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر 38، وتُطلق على الروح وحدها كقوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة) الفجر 27، وقوله تعالى: (أخرجوا أنفسكم) الأنعام 93، وقوله تعالى: (ونهى النفس عن الهوى) النازعات 40، وقوله تعالى: (إن النفس لأمارة بالسوء) يوسف 53، وأما الروح فلا تطلق من البدن لا بانفرادة ولا مع النفس، وتطلق الروح على القرآن الذي أوحاه الله الى رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) الشورى 52، وعلى الوحي الذي يوحيه الى أنبيائه ورسله، قال تعالى: (يلقي الروح من أمره، على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق) غافر 15، وقال تعالى: (ينزل الملائكة بالروح من أمره، على من يشاء من عباده، أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) النحل 2، وسمي روحا لما يحصل به من الحياة النافعة، فإن الحياة بدونه لا تنفع صاحبها البتة، بل حياة الحيوان البهيم منها أسلم عاقبة.

ومضة: وسميت الروح روحا لأن بها حياة البدن، وكذلك سميت الريح لما يحصل بها من الحياة، وهي من ذوات الواو، ولهذا تجمع على الأرواح، قال الشاعر:

إذا هبت الأرواح من نحو أرضكم

وجدت لمسراها على كبدي بردا

ومنها: الروح والريحان والاستراحة، فسميت النفس روحا لحصول الحياة بها، وسميت نفسا إما من الشيء النفيس لنفاستها وشرفها، وإما من تنفس الشيء اذا خرج، فلكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفسا، ومنه: النفس بالتحريك، فإن العبد كلما نام خرجت منه، وإذا استيقظ رجعت اليه، فإذا مات خرجت كليا، فإذا دفن عادت اليه، فإذا سئل خرجت، فإذا بعث رجعت اليه، فالفرق بين النفس والروح فرق في الصفات لا فرق في الذات، وإنما سمي الدم نفسا لأن خروجه الذي يكون معه الموت يلازم خروج النفس، وإن الحياة لا تتم إلا به كما لا تتم إلا بالنفس، فلهذا قال:

تسيل على حد الظباة نفوسنا

وليست على غير الظباة تسيل

آخر الكلام: ويقال فاضت نفسه وخرجت نفسه وفارقت نفسه، كما يقال: خرجت روحه وفارقت، ولكن الفيض: الاندفاع وهلة واحدة، ومنه الإفاضة وهي الاندفاع بكثرة وسرعة، لكن أفاض إذا دفع باختياره وإرادته، وفاض: اذا اندفع قسرا وقهرا، فالله سبحانه هو الذي يفيضها عند الموت فتفيض هي.

زبدة الحچي: صعب وعميق قول وفكر الإمام ابن القيم الجوزية في أن الروح غير النفس وإذا نام خرجت نفسه الى فوق فإذا رأت الرؤيا رجعت فأخبرت الروح، وتخبر الروح القلب، فيصبح يعلم أنه قد رأى كيت وكيت.

اختلفوا في معرفة الروح والنفس، فقال بعضهم: النفس طينية نارية، والروح نورية روحانية.

الموضوع عميق وصعب الفهم والإفهام لأن قضايا (الروح) لها أقوال كثيرة، وقال بعضهم: الأرواح من أمر الله، أخفى حقيقتها وعلمها عن الخلق.

وقال بعضهم: الأرواح نور من نور الله وحياة من حياة الله.

ثم اختلفوا في الأرواح وهل تموت بموت الأبدان والأنفس أو لا تموت.

فقالت طائفة: الأرواح لا تموت ولا تبلى.

وقال جماعة: الأرواح على صور الخلق، لها أيد وأرجل وأعين وسمع وبصر ولسان.

وقالت طائفة: للمؤمن ثلاث أرواح وللمنافق الكافر روح واحدة.

وقال بعضهم: الأرواح روحانية، خلقت من الملكوت فإذا صفت رجعت الى الملكوت.

قلت: أما الروح التي تتوفى وتُقبض فهي روح واحدة وهي النفس وأما ما يؤيد الله به أولياءه من الروح فهي روح أخرى غير هذه الروح، كما قال تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) المجادلة 22، وكذلك الروح التي أيد بها روحه المسيح ابن مريم كما قال تعالى: (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك اذ أيدتك بروح القدس) المائدة 110، وكذلك الروح التي يلقيها على من يشاء من عباده هي غير الروح التي في البدن.. والله أعلم.

الأنباء

التعليقات

ادارة الموقع غير مسئولة عن تعليقات المشاركين واى اساءة يتحملها صاحب التعليق وليست ادارة الموقع

آراء ومقالات المزيد
كاريكاتير المزيد